عبدالاله سعيد احمد الشهراني
verificated

الرقابة

تتأصل الرقابة القضائية في الشريعة الإسلامية منذ القدم، فعلى رأي من قال بأن أول من جلس للمظالم للمظالم هو عبد الملك بن مروان الذي توفي عام 86ه أي (705م) في مقابل بداية ظهور مجلس الدولة الفرنسي أو مجلس قضاء إداري بعد عام 1799م، تتضح المسافة الزمنية بينهما، وسبق الشريعة الإسلامية على الأنظمة الوضعية بالعمل بنظام المظالم أو ولاية المظالم قبلها بعدة قرون.
وقد ذكر الدكتور حمدي عبد المنعم أنه لما كان يعمل في مجلس الدولة المصري في القضاء الإداري، اهتم ببعض ما كُتب عن القضاء الإداري في الإسلام فوجد أن فيما كتبه الماوردي في كتابه/ الأحكام السلطانية، عن ديوان المظالم والدور الذي قام به، أوجه شبه كبيرة بينه وبين مجلس الدولة في الوقت الحاضر؛ بل إن الدكتور ذكر أن مما زاد دهشته وانبهاره أنه لاحظ وجود اختصاصات وسلطات في ديوان المظالم تفوق تلك الاختصاصات والسلطات في مجلس الدولة الفرنسي أو المصري في الوقت الحاضر.
والذي يهمنا هنا هو الحديث عن أهمية هذه الرقابة ومدى سلطتها على أعمال الجهة الإدارية، ولا شك أن الشريعة الإسلامية والأنظمة الوضعية قد اهتمت بجانب إخضاع تصرفات الإدارة للرقابة القضائية.
وهذه الرقابة تسبقها رقابتان: إحداهما (رقابة ذاتية) تتمثل في ذات الموظف أو المسئول، والأخرى (رقابة إدارية) تقوم بها الإدارة نفسها لتراقب تصرفات موظفيها وما يصدر منها من قرارات وأعمال.
ثم تأتي بعد ذلك في مرحلة لاحقة الرقابة القضائية، التي يتم من خلالها التحقق من مدى مشروعية قرارات الإدارة وتصرفاتها. وتكمن أهمية هذه الرقابة من عدة جوانب منها:
1- أن هذه الرقابة تعتبر من أهم صور الرقابة على أعمال الإدارة، إذ يعتبر القضاء أكثر الأجهزة القادرة على حماية مبدأ المشروعية والدفاع عن الحقوق والحريات.
2- كما أنها تتمتع بدرجة كبيرة من الحيدة والنزاهة والاستقلال مما يجعل هذه الرقابة ضمانة أكيدة لاحترام الأنظمة.
3- أنها توفر الضمانات الأكيدة لحسن سير العجلة القضائية وتتمثل في علانية الجلسات وحق المناقشة والدفاع...الخ
4- وممارسة هذه الرقابة تعتبر تأكيداً لمبدأ الفصل بين السلطات.
والرقابة القضائية تتخذ صورتين هما:
1- رقابة الإلغاء: أي إلغاء القرار والغير مشروع والمخالف للقانون والشرع، وإعادة الوضع الى ما قبل صدور القرار.
2- رقابة التعويض: أو ما يسمى بالقضاء الكامل المتمثل في تعويض الأضرار الناتجة عن القرارات الغير مشروعة.
وهذه الصور موجودة في النظام السعودي في عشرات بل مئات الأحكام القضائية الصادرة من ديوان المظالم.
ولعل من المناسب أن نذكِّر ببعض المراجع المهمة في هذا الموضوع فمنها: رقابة القضاء على القرارات الإدارية، للدكتور: فهد محمد الدغيثر، الرقابة القضائية على أعمال الادارة في المملكة العربية السعودية للدكتور: علي شفيق، الرقابة القضائية على ملاءمة القرارات الإدارية للدكتور: ثروت عبد العال أحمد، الرقابة على أعمال الإدارة للدكتور: سامي جمال الدين، الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية للدكتور: عصام سعد عبد العزيز، والسلطة التقديرية للقاضي الإداري للدكتور: وليد الصمعاني.

الأخلاق والوظيفة

إن اخلاقيات الوظيفة العامة من وجهة نظر اسلامية عبارة عن مجموعة من المبادئ والاخلاق والقواعد النابعة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي تشكل معيارا للسلوك الفردي أو الاجتماعي، بما تمليه متطلبات كل وظيفة من شروط اخلاقية لا تتعارض مع هذه القواعد والمعايير، حيث ان الإسلام كمنهج يبيّن ضرورة تمسك الموظف والتزامه بجملة من الأخلاقيات الوظيفية، ويوضح مدى ارتباطها بتأدية الواجبات الوظيفية والإجادة في العمل والإخلاص، وهي من الامور التي حث عليها الاسلام .
جاء في نظام الخدمة المدنية في المادة (4) في شروط التعيين على الوظيفة: { أن يكون المعيَّن حسن السيرة والأخلاق...وغير محكوم عليه بحد شرعي أو سجن في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة}
كما جاء في نظام خدمة الأفراد العسكريين في المادة (4) فقرة (ب) وفي نظام الضباط في المادة (4) فقرة (ه) نفس الشرط السابق.
وهذا يعني أن من الشروط المهمة في تولي الوظائف العامة، شرط أن يكون حسن السيرة والأخلاق وعدم حصول المتقدم للوظيفة على حكم في جريمة مخلة بالشرف والآداب.
والجريمة المخلة بالشرف يقصد بها: الجرائم التى تتنافى بطبيعتها مع الأخلاق والأديان، ولذلك وضعها المنظم فى معظم النظم الجنائية فى درجة الجرائم الكبرى وهى الجنايات.
ولهذا فإن معرفة مثل هذا الشرط المهم خاصةً للطلاب المقبلين على سوق العمل يمثل نقطة مهمة في ضبط النفس واتزان الشخصية، وألا تأخذ الطالب انفعالة وقتية أو نزوة شيطانية تقضي على مستقبله في لحظة غفلة وسهو، خاصة أننا في عصر يبحث عن الجودة والتميز أكثر من البحث عن الشهادات، وعلى الطالب أن يتمثل الحكمة القائلة: إن ندمت على السكوت مرة فقد ندمت على الكلام ألف مرة.

الزمن الذهبي

حينما يتخرج الطالب من الجامعة ويواجه الحياة الوظيفية والاجتماعية، ويرتبط ببناء أسرة
وتمر السنوات، يتذكر كما تذكر كاتب المقال -بعد حين- نصيحة أهداها لهم أستاذهم وهم على مقاعد الدراسة الجامعية حينما قال لهم : ( إذا لم تستغلوا هذه الفترة من حياتكم، ستندمون عليها بعد ذهابها كما ندمنا نحن على ذهاب أوقاتنا ونحن في أعماركم )
بلغ الكاتب أشده ووصل إلى ما وصل اليه معلمه، وجلس على مقعد التدريس ، وأيقن أن الفترة الذهبية من حياة الطالب هي المرحلة الجامعية، وهي أثمن الأوقات لا مسؤليات ولا ارتباطات اجتماعية وإنما الطالب مفرغ للتعلم.
هذا الكلام نوجهه إلى أبنائنا الطلاب ، أنتم تملكون كنزًا لا يقدر بثمن ، وقتكم بين أيديكم، تتصرفون فيه كما تشاؤون، ما تستثمرون فيه أعماركم وأنتم في مقاعد الدراسة من قراءة، وحفظ ، ومهارة ، تجنون ثماره حينما تتخرجون، ويكون قاعدةً وأساسًا لما بعد ذلك.
فأشغلوا أوقاتكم بالعلم والتعلم، أضيفوا لغةً إلى لغتكم، وحفظاً إلى حفظكم، ابحثوا عما تميل له نفوسكم فأتقنوه، أنتم في الزمن الذي يحسدكم فيه غيركم فلا تضيعوه، لا تصرفكم عنه الصوارف، ودمتم بعون الله مشاعل نور وهدى وتقدم ونجاح لهذا البلد المبارك.

الدكتور عبدالإله سعيد الشهراني