أحيانًا نجهد في التَّفكير لتَّدبير لبعض الأمور الَّتي لم ندركها، ونحمل همًّا ثقيلًا لأجلها، وكأنَّ تدبير الأمر لنا ونغفل عن أنَّه سُبحانه له الخلق والأمر؛ يقضي ما يشاء ويختار .. بل قد نخلق حلولًا لبعض ما سنواجه ثمَّ يشاء الملك العليم أن يكون خلاف ما أردنا، ثُمَّ نرى حكمته فيما شاء وقدَّر وأنَّه ما كان ليكون الأمر خيرًا ممَّا قضاه سُبحانه.. ولو علمنا ذلك يقينًا وفوَّضنا كلَّ أمرٍ ونازلةٍ إليه سبحانه لعلمنا أنُّه هو من يحسن التَّدبير ومن بيده عاقبة الأمور، لسلم القلب من قلق المصير وجهد التَّفكير وعناء التَّدبير، فأهدأ النَّاس بالًا وأكثرهم انشراحًا وأهنأهم عيشًا هم المُتوكُّلون على الله الموفوِّضون أمرهم إليه، المؤمنون بقضائه وقدره، وإن لم تتبيَّن لهم الحكمة، وإن لم تظهر لهم الخيريَّة؛ فإيمانهم به سبحانه أخبرهم بأن عدم بيان الحكمة وعدم ظهور الخيريَّة، هو لجهلهم بها وليس لانعدامها .. ولا يكون ذلك إلَّا لمن عرف ربَّه.
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك.
نعوذُ بالله من الحسرة عند فوات الشَّباب على ضياعه عند المشيب، وفوات الصِّحة في الطَّاعة عند السَّقم، وفوات الغنى في النَّفقة عند الفقر، وفوات الفراغ في العبادة عند الشُّغل .. وأشدُّها ألمًا وأكثرها حسرة هو فوات الحياة عند الموت لمن لم يُحسن العمل.
فتلك الحسرات الصَّغيرة أجدر أن تربِّي أنفسنا حتَّى لا نقع في الحسرة الكبيرة عند الموت.
عندما امتدح الله أنبياءَه في القرآن الكريم امتدحهم بعبوديَّتهم فقال سبحانه في أيُّوب ﴿نعم العبد إنَّه أوَّاب) وفي سليمان ﴿ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنَّه أوَّاب﴾ وقال أيضًا ﴿واذكر عبدنا داوود ذا الأيدِ إنَّه أوَّاب﴾ وغيرها من الآيات..
ومن تتبَّع لفظ العبوديَّة في القرآن الكريم وجده كثيرًا ما يتكرر في وصف الله لعباده ولأهل جنته ولمن امتدحه منهم..
فكأنَّ العبوديَّة وصفٌ لازمٌ لنجاة العبد وسلامته، متى ما انخلع العبد عنها خرج إلى دائرةالتيه والهلاك، فمن لم يكن عبدًا لله، كان عبدًا للطَّاغوت ولا بُدّ.
عندما يوقن المرء أنَّه في سفر، لم يكثر من الزَّاد الَّذي يثقل ظهره وهو يعلم أنَّه يعرقل وصوله إلى غايته، وأنَّه لن ينتفع بهذا الزَّاد حين وصوله إلى محطَّته بل قد يعودُ وبالًا عليه!
نغفل كثيرًا أنَّ هذه الدُّنيا دار عبورٍ وممر، وأنَّ وجودنا فيها (سفر) يوشك المرء أن يصل حينما يحلُّ أجله.